أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا أول أغسطس 1914م رداً على التعبئة الروسية، وبعد يومين أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، واكتسح الجيش الألماني بلجيكا في طريقه إلى فرنسا، وكان غزو بلجيكا المحايدة سببا في إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4 أغسطس، ومنذ ذلك الحين وحتى نوفمبر 1918م حين انتهت الحرب، لم تبق سوى مناطق قليلة من العالم محايدة.
الجبهة الغربية بدأ القتال في أغسطس 1914م عندما غزت ألمانيا بلجيكا وفرنسا، ثم حوصر الجانبان في حرب الخنادق على طول الجبهة الغربية حتى نهاية العام، وظلت الجبهة الغربية مجمدة لما يقرب من ثلاثة أعوام ونصف العام.
الجبهة الغربية. أعد ألفرد فون شليفن خطة ألمانيا الحربية سنة 1905م، وكان شليفن رئيسا لهيئة أركان حرب الجيش الألماني، وهي المجموعة التي تعطي المشورة بشأن العمليات الحربية. كانت خطة شليفن تقضي أن تحارب ألمانيا كلا من فرنسا وروسيا، بهدف إلحاق هزيمة سريعة بفرنسا، بينما تكون روسيا في تعبئة بطيئة لقواتها، ثم تبدأ ألمانيا الضربة الأولى إذا ما بدأت الحرب. وإذا ما وضعت الخطة موضع التنفيذ، فإن نظام التحالفات العسكرية سوف يؤدي بالتأكيد إلى حرب أوروبية عامة.
كانت خطة فون شليفن ترى أن يكون لألمانيا جناحان يحاصران الجيش الفرنسي في شكل كَمَّاشة؛ فالجناح الأيسر الصغير سوف يدافع عن ألمانيا عبر حدودها مع فرنسا، أما الجناح الأيمن الأكبر فيغزو فرنسا عبر بلجيكا ثم يحاصر عاصمة فرنسا باريس، ثم يتحرك شرقاً. ومع تحرك الجناح الأيمن سوف تقع القوات الفرنسية في مصيدة الكمَّاشات. وكان نجاح هجوم ألمانيا يعتمد على جناح أيمن قوي، ورغم ذلك كان هلمون فون مولتكه، الذي أصبح رئيسا للأركان في سنة 1906م وأدار استراتيجية ألمانيا عند بدء الحرب العالمية الأولى، قد غير من خطة فون شليفن بتخفيض عدد قواته في الجناح الأيمن.
حارب الجيش البلجيكي بشجاعة، وقاوم الألمان لفترة قصيرة، وفي 16 أغسطس 1914م استطاع الجناح الأيمن أن يبدأ حركة كماشة وأرغم القوات الفرنسية وقوة صغيرة بريطانية على أن تتقهقر إلى جنوب بلجيكا، واكتسح فرنسا، لكن بدلا من أن يتجه غربا حول باريس طبقا للخطة فإن جزءًا من الجناح الأيمن اندفع لمطاردة القوات الفرنسية المنسحبة شرقا على نهر المارن، وكانت هذه المناورة من شأنها أن تترك الألمان معرضين لهجوم من الخلف.
وفي هذه الأثناء، فإن الجنرال جوزيف جوفر القائد العام لكل الجيوش الفرنسية ثبت قواته قرب نهر المارن شرقي باريس، واستعد للمعركة، وبدأ قتالاً شرسًا عرف بمعركة المارن الأولى في 6 سبتمبر، وفي 9 سبتمبر بدأت القوات الألمانية تنسحب.
كانت معركة المارن الأولى مفتاح النصر للحلفاء، لأنها أنهت آمال ألمانيا في هزيمة فرنسا سريعا، واستبدل بمولتكه إريخ فون فالكنهاين رئيسًا للأركان.
وتوقف انسحاب الجيش الألماني قرب نهر آين، حيث خاض الألمان والحلفاء سلسلة من المعارك التي أصبحت تعرف بالسباق نحو البحر. وسعت ألمانيا إلى السيطرة على موانئ على القنال الإنجليزي لتقطع خطوط المدد الحيوي بين فرنسا وبريطانيا، لكن الحلفاء أوقفوا تقدم الألمان نحو البحر في معركة إيبر الأولى في بلجيكا، واستمرت المعركة من منتصف أكتوبر حتى منتصف نوفمبر.
وفي أواخر نوفمبر 1914م وصلت الحرب إلى طريق مسدود على طول الجبهة الغربية لأن أحدا من الجانبين لم يمتلك أرضا أكثر، وامتدت جبهة القتال أكثر من 720كم عبر بلجيكا وشمال شرقي فرنسا إلى حدود سويسرا، واستمر التوقف في الجبهة الغربية نحو ثلاث سنوات ونصف.
الجبهة الشرقية. مضت تعبئة روسيا أسرع مما كانت تتوقع ألمانيا، وفي أواخر أغسطس 1914م اندفع جيشان روسيان بعمق في الأراضي الألمانية في شرقي بروسيا، وعرف الألمان أن الجيشين أصبحا منفصلين فأعدوا خطة حربية، تمكنوا بها من محاصرة جيش روسي في معركة تاننبرج في 31 أغسطس ثم طاردوا الجيش الروسي الثاني في شرق بروسيا في معركة البحيرات الماسورية، وكانت خسائر الروس نحو 25 ألفا، مابين قتيل وجريح ومفقود في المعركتين، وجعلت المعركتان من بول فون هندنبرج وإريخ لودندورف أبطالاً.
أما النمسا ـ المجر فكان نجاحها أقل من نجاح حليفتها ألمانيا في الجبهة الشرقية. ففي نهاية عام 1914م هاجمت القوات النمساوية ـ المجرية صربيا ثلاث مرات، وألحقت بها الهزيمة في كل مرة، وفي هذه الأثناء حاصرت روسيا معظم إقليم جاليسيا في النمسا ـ المجر (وهو الآن جزء من بولندا والاتحاد السوفييتي السابق). وفي أوائل أكتوبر انسحب الجيش النمساوي ـ المجري المهزوم إلى أراضيه.
القتال في الأماكن الأخرى. أعلن الحلفاء الحرب على الدولة العثمانية في نوفمبر 1914م بعد أن ضربت السفن التركية الموانئ الروسية على البحر الأسود، ثم غزت القوات التركية روسيا واندلع القتال بعد ذلك في الأراضي التابعة للدولة العثمانية في شبه الجزيرة العربية وأراضي الرافدين (العراق حاليا) وفلسطين وسوريا.
واستمرت بريطانيا مسيطرة على البحار بعد نصرين بحريين على ألمانيا في سنة 1914م، وجعل الإنجليز منذ ذلك الحين أسطول الألمان محصورا في مياههم معظم الحرب، ومن ثم اعتمدت ألمانيا على حرب الغواصات.
وسرعان ما امتدت الحرب العالمية الأولى إلى المستعمرات الألمانية فيما وراء البحار، وأعلنت اليابان الحرب على ألمانيا في آخر أغسطس 1914م وطردت الألمان من عدة جزر في المحيط الهادئ، أما قوات أستراليا ونيوزيلندا فقد سيطرت على المستعمرات الألمانية في المحيط الهادئ، وفي منتصف سنة 1915م سقطت معظم أملاك الإمبراطورية الألمانية في إفريقيا في يد القوات البريطانية. ورغم ذلك استمر القتال في الأملاك الألمانية في إفريقيا الشرقية (تنزانيا حاليا) لمدة عامين أو أكثر.
الجمود في الجبهة الغربية
في سنة 1915م حفر الجانبان المتصارعان سلسلة من الخنادق تعرجت على طول الجبهة الغربية، ومن الخنادق دافعا عن مواقعهما وابتدآ هجماتهما. وظلت الجبهة الغربية جامدة في حرب الخنادق حتى سنة 1918م.
شبكة الخنادق على امتداد الجبهة الغربية. والأرض المحايدة تفصل الجهتين المعاديتين. وتقوم خنادق إطلاق النيران والخنادق الساترة بحماية جنود القسم الأمامي من نيران العدو. وخنادق الاتصال تربط بين الأجزاء الأمامية وبين القوات المساندة والاحتياط الموجودة في الخطوط الخلفية.
حرب الخنادق. طور كل من الحلفاء وقوات الوسط أسلحة جديدة أرادوا بها أن يكسروا الجمود، وفي أبريل 1915م نشر الألمان الغاز السام على خطوط الحلفاء في معركة إيبر الثانية، وسبب ذلك دخانا وغثيانا واختناقا، ولكن القادة الألمان كانت لديهم ثقة قليلة في الغاز، وفشلوا في انتهاز هذه الفرصة لشن هجوم أكبر. كذلك استخدم الحلفاء الغاز السام بعد ذلك بقليل، وأصبحت كمامات الغاز أداة حربية في الخنادق، كذلك كان قاذف اللهب سلاحا جديدا يقذف نفثة من اللهب المحترق.
الجنود يشاهدون لابسين كمامات الغاز في الجبهة الغربية للحماية من الغازات السامة. وكانت ألمانيا أول دولة تستخدم الغازات السامة في أبريل سنة 1915م خلال معركة إيبرو الثانية في الحرب العالمية الأولى.
معركة فردان. لما كان فالكنهاين رئيس أركان حرب الجيش الألماني قد قرر في أبريل 1916م أن يركز على قتل جنود العدو فإنه كان يأمل أن الحلفاء سوف يحتاجون قوات لاستمرار الحرب، واختار فالكنهاين مدينة فردان الفرنسية، لكنه لم يكن يعتقد أن الفرنسيين سوف يدافعون عن فردان لآخر رجل. وبدأت الرماية في 21 فبراير، وشعر جوفر قائد الجيوش الفرنسية أن خسارة فردان سوف تضعف روح الفرنسيين المعنوية بقوة. وخلال الربيع والصيف صد الفرنسيون المهاجمين، وكما تنبأ فالكنهاين دفعت فرنسا بقوات إلى المعركة، ولم يتوقع فالكنهاين أن تكلف المعركة الألمان أرواحا كثيرة مثلما كلفت الفرنسيين، فأوقف الهجوم غير الناجح في 2 يوليو 1916م. وفي الشهر التالي حل هندنبرج ولودندورف بطلا الجبهة الشرقية محل فالكنهاين في الجبهة الغربية، وأصبح هندنبرج رئيس الأركان ولودندورف مساعده يخططان للاستراتيجية الألمانية.
أما الجنرال هنري بيتان فقد نظم الدفاع عن فردان. وعدته فرنسا بطلا، وأصبحت معركة فردان رمزا للتخريب المدمر في الحرب الحديثة، حيث ارتفعت خسائر الفرنسيين إلى نحو 315 ألف رجل وخسائر الألمان نحو 280 ألفا، وأما المدينة فقد دُمّرت تمامًا.
صرخة الانقضاض رمز لبداية الهجوم، حيث يندفع الجنود من خنادقهم ليبدأوا التقدم نحو خنادق العدو. وهؤلاء جنود كنديون وراء ضابط لهم على القمة أثناء معركة سوم في فرنسا في شهر يوليشو 1916م.
معركة السوم. أعد الحلفاء دفاعا قويًا سنة 1916م عند نهر السوم في فرنسا، لقد استنزفت معركة فردان فرنسا، وهكذا أصبح هجوم السوم مسؤولية البريطانيين الرئيسية تحت قيادة الجنرال إيرل هيج. بدأ هجوم الحلفاء في أول يوليو 1916م، وخلال ساعات خسرت بريطانيا حوالي 60 ألفا، وهي أسوأ خسارة لها في يوم واحد من القتال. ومضى القتال الشرس في الخريف، وفي سبتمبر أنتجت بريطانيا أول دبابة، لكن الدبابات لم يكن يُعوَّل عليها لأنها قليلة العدد بحيث لم تؤثر في مجرى المعركة، وأخيرا أوقف هيج هجومه الذي لاقيمة له في نوفمبر. وحصل الحلفاء على نحو أحد عشر كيلومترًا، وبتكلفة كبيرة بلغت أكثر من مليون من الإصابات؛ منها أكثر من 600,000بين صفوف الألمان 400 ألف بين صفوف البريطانيين وحوالي 200,000بين صفوف الفرنسيين، ورغم الخسارة الكبرى في فردان والسوم، فإن الجبهة الغربية ظلت متماسكة حتى نهاية عام 1916م.
القتال في الجبهات الأخرى