العلامة محمد شارف في ندوة الشروق وهو يدعو لكافة المسلمين /تصوير: حميدة غزال
استضاف "الشروق اليومي" في مقر إقامته المتواضع بحي "لارماف" بباب الوادي وهو يرفع دعاء لم يفارق لسانه طيلة تواجدي معه "الله يجعل الخير"، ورغم مشيه بصعوبة ورغم ثقل سمعه ولسانه وقلة بصره بسبب تراكم السنين المئة إلا أني أحسست بثقل رجل خارق، يحمل بين جنباته حضورا قويا يسيطر على المشاعر، جعلني أعيش حالة صوفية يرتبط فيها القلب مباشرة مع روح الإسلام المعتدلة التي تبعث في الروح السكينة والأمان.
• شارك في الحرب العالمية الثانية ووقع أسيرا في أيدي الألمان
• وعلى مدار ساعتين أعترف أني أرهقت فيها الشيخ ولم ينزعج، حاولت أن أقتنص بعض أسرار واحد من أجلّ علماء الجزائر المعاصرة لأضعها بين أيدي قراء "الشروق" عباءة يلبسونها ليكونوا مثل سماحة الشيخ النابغة "محمد شارف".
• نسبه يعود إلى بيت النبوة
• الشيخ "محمد شارف" بن عبد القادر بن الحاج بن عبد القادر بن الحاج المدني، يتصل نسبه بالحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبنائه زوج فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وأثبت الشيخ صحة نسبه الذي يمتدّ إلى بيت النبوة بوثيقة يحتفظ بها تشتمل على توقيع 25 من المسنِّين المزَكِّين من طرف قاضي الجزائر العاصمة، واضعين عليها خطوط أيديهم مختومة بختم القاضي، يشهدون كلهم بصحة هذا النسب.
• ينتمي الشيخ "محمد" إلى عرش "الحوامد" نسبة إلى جدهم سيدي حامد الشارف، القاطن بمدينة "مليانة" ولاية "عين الدفلى"، وعرفت أسرته بالمحافظة والتدين حتى أن أغلب أفرادها حافظون لكتاب الله ومن حجاج بيته العتيق. ويعود الفضل في حفظ الشيخ "محمد" للقرآن الكريم وعمره لا يتجاوز 12 سنة إلى والده "الحاج عبد القادر" كما أخذ عنه بعض مبادئ الفقه واللغة العربية، أما معلمه الثاني فهو الشيخ "ابن سهادة" صاحب زاوية شهيرة بمنطقة "مليانة".
• .. وفتّقت العاصمة نبوغه
• ولد الشيخ حوالي سنة: 1325هـ/ 1908م، في مدينة "مليانة"، وبعد تعليمه الأول بمسقط رأسه انتقل إلى الجزائر العاصمة لمواصلة تحصيله العلمي، وهناك اكتشف شيوخه سمات نبوغه الفطري فمنحوه رعايتهم، وكان الشيخ في تلك المرحلة يختلي بنفسه ليكرر ما أخذه عن شيوخه، ويزيد عن ذلك بالإبحار في مطالعة الكتب طارقا أبواب علوم أخرى، فتميز بين أقرانه وتفوق عليهم. وأبرز شيوخه "والده الحاج عبد القادر بن الحاج المدني، الحاج ابن سهادة، احسين بلحاج بوغرقة، مَحمد وكَّال المعسكري الأزهري، بن عودة، عبد القادر مساعدية، عبد الله الدراجي وبن دالي محمود المعروف بالشيخ كحول".
• أخلاقه من أخلاق المصطفى.. ورجل مشورة ورأي
• تميز الشيخ "محمد شارف" بالهمة العالية والشغف الكبير في تحصيل العلم وتبليغه، وبالذكاء والفطنة وسرعة البديهة. كما يشهد له كل من عرفه بالحِلم والتواضع والزهد والورع الذي يذكرك بالسلف الصالح، إضافة إلى الإخلاص وصدق السريرة ورقة القلب، وهو دائم السعي لقضاء حوائج الناس.
• وللشيخ علاقات وطيدة بأقرانه وأترابه من أهل العلم مبنية على التقدير والثناء المتبادل، شأن أهل الفضل في تعاملهم، فكانت علاقته مع الشيخ أحمد حماني والشيخ علي المغربي والشيخ محمد بن عبد القادر رحو والشيخ أحمد سحنون رحمهم الله تعالى طيبة للغاية، وربما شاوروه في بعض ما يرد عليهم من الأسئلة، وكان يجيبهم ويدلي لهم برأيه ويبين لهم ما عنده من علم في تلك المسائل. وقد شارك مع الشيخ حماني في بعض الحصص التلفزيونية، كما أثنى عليه الشيخ حماني في اجتماع عام مع الأئمة، وشهد له بمقدرته الفقهية.
• وللذكر فإن الشيخ جمع خلال مسيرة حياته بين نشاطي العلم والتعليم في آن واحد، فكان يحضر مجالس العلم عند شيوخه، ثم يكرر على بعض أقرانه، فكان تلميذا وأستاذ في الوقت نفسه. ومن ميزاته أيضا أنه كان يحضر دروس الشيخ مَحمد وكال المعسكري الأزهري في شرح الأجرومية مع طلبة يكبرونه سنا وتقدما في التحصيل.
• مشاركته في الحرب العالمية الثانية
• في سنة 1936 تحصل الشيخ على رتبة الإمامة، بعد أن أجرى امتحانا كتابيا، ثم شفويا، ولم يتمكن من وظيفة الإمامة لعدم شغور المناصب، كما ذكر لنا. ومن جملة الأسباب التي منعت الشيخ من الالتحاق بوظيفة الإمامة أن الاستعمار الفرنسي فرض التجنيد الإجباري على الشباب الجزائري أثناء الحرب العالمية الثانية وكان الشيخ من ضمنهم، فوقع كثير من الشباب تحت الأسر الألماني بفرنسا، وكان حظ الشيخ أن وقع أسيرا معهم فأودع المحتشدات هناك، حيث بقي تحت الأسر من سنة 1939م إلى سنة 1944م، ثم تحت سلطة ومراقبة الاستعمار الفرنسي خلال سنة 1945م.
• غير أن ذلك لم يُعـِـقْـه من مواصلة نشاطه التعليمي، ففي هذا المحتشد التَفَّ حوله عدد هائل من المعتقلين بعد أن أدركوا مكانته العلمية، فكان يلقي عليهم دروسا في الفقه لعامة الناس، ودروسا في النحو لخصوص بعض الطلبة الراغبين في تعلم قواعد اللغة العربية، فكان من جملة الحاضرين أفراد من بلدان كثيرة كالجزائر، وتونس، والمغرب، والسنغال وبعض البلاد الإفريقية والآسيوية. وكان يحضر دروسه بعض من لا يفهم العربية، فاتخذ الشيخ من يترجم للناس دروسه إلى اللغة الفرنسية التي يفهمها أغلبهم، لأنهم كانوا تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.
• الإمام الأكبر لأعرق الجوامع في الجزائر
• عندما عاد الشيخ محمد شارف إلى الجزائر خلال سنة 1945م، عُـيِّـن مؤذنا في الجامع الكبير في الجزائر العاصمة، ثم تمكن بعد ذلك من الحصول على وظيفة الإمامة في جامع سيدي رمضان في القصبة، وفي الجامع الكبير. وبعد الاستقلال أجرت وزارة الشؤون الدينية امتحانا للأئمة قصد تصنيفهم، وبموجب هذا الامتحان عيِّن في رتبة إمام خطيب، فشغل هذا المنصب وتنقل فيه عبر مختلف المساجد بالجزائر العاصمة، منها جامع كتشاوة، وجامع المدرسة في سيدي امحمد (بلوزداد)، وجامع أبي فارس في القصبة، إلى أن أحيل على التقاعد وهو يشغل نفس المنصب بالجامع الكبير سنة 1987م.
• باع بيته ليتفرغ للعلم
• من عجائب تضحيات الشيخ أنه باع منزله الواسع الذي كان يسكنه بأعالي بوزريعة ليشتري بدلا عنه منزلا أضيق منه، كلُّ هذا ليتمكن للتفرغ لطلبته بمسجده بالعاصمة، وليقترب من مسجده. ومن ميزاته أيضا أنه قلّ ما يمتلك كتابا في مكتبته العامرة، ولا يوجد عليه تعليقات للشيخ، فهو كثير المطالعة إلى درجة أن أثّر ذلك على بصره، فممّا يجهله الكثير من طلبته أن الشيخ لا يرى إلا بعين واحدة، ومع ذلك فهو لا يصرح بهذا ولا يشكو منه لأدبه ورقة طبعه.
• للإشارة فإن الشيخ ألف الكتب التالية: الفتاوى، الأمانة وأنواعها، مناسك الحج والعمرة، لغة العرب في القرآن، رسالة في السدل والقبض في الصلاة، خطبه المنبرية".
• للأمانة: مقتطفات من هذه الترجمة من موقع ميراث السنة ومن ترجمة الشيخ الموجودة في كتاب "فتاوى الشيخ محمد شارف" الذي حققه الدكتور "محمد إيدير مشنان"
• على لسان الشيخ "محمد شارف"
• ٧ الصحفي يمثل الدين والأمة ومكانته في صدارة المجتمع.
• ٧ أنتم في الشروق لاتكرمون الأشخاص ولكن تكرمون الدين الإسلامي فيهم.
• ٧ ما زلت أطالع الكتب وهذا طبعي طيلة حياتي.
• ٧ "فرسان القرآن" أجود ما قدمه التلفزيون، وأتمنى ألا يتوقف.
• ٧ المستشرقون ليس فيهم خير للمجتمع الإسلامي لأنهم يفكرون بعقلية الغرب.
• ٧ الشباب الموجود في الجبال مخطئ، ويجب أن يتدارك نفسه ويتوب لله تعالى.
• ٧ أهم مسؤولية تلقى على عاتق دار الإفتاء التي سيتم انشاؤها في الجزائر هي المشاركة في توحيد المذاهب الأربعة.
• ٧ اليهود هم سبب خراب العالم، لأن قلوبهم مليئة بالبغض والحسد.
• ٧ أهم شخصية من جمعية العلماء المسلمين أثرت فيّ هي شخصية الشيخ "الطيب العقبي" رحمه الله.
• ٧ لدي 7 أبناء ذكور و8 إناث، منهم 5 صم بكم، أما الأحفاد فلا أحصيهم.
• ٧ تشبيه "كاتب ياسين" لصوامع المساجد بالصواريخ يعتبر تعديا صارخا على الإسلام، وأنا أتعجب لماذا نحتفي بشخص تطاول على الإسلام وهو جزائري.
• الأستاذ محمد الهادي حسني
• الشيخ شارف من أوتاد الأمة الإسلامية
• قال الأستاذ محمد الهادي حسني إن الشيخ محمد شارف يمثل الذكورة الحقيقية الممزوجة بأخلاق، حيث أوضح أن الأمة الإسلامية تحمل مليارا و300 فرد مسلم من ذكر وأنثى، معتبرا أن القليل ممن يخدمون الإسلام بمروءة وممن تحمل ذكورتهم صفة الأخلاق الفاضلة.
• وأكد الهادي حسني، في تدخله بالندوة التكريمية، أن للأرض أوتادا وأن للأمة الإسلامية أوتادا من رجال العلم من الجنسين، مصنفا الشيخ من أوتاد هذه الأمة التي لديها رجال وليس ذكور بالمعنى الفيزيولوجي الطبيعي، مضيفا "كما يقول محمد العيد: الجزائر لا تزال في نسلها خصوبة ولودة الأرحام".
• كما اشاد حسني بمبادرة جريدة "الشروق اليومي" في تكريم الشيوخ العلامة، داعيا طقم الجريدة وعلى رأسهم المدير العام، للالتفاف لباقي الشيوخ المتواجدين بالجزائر العميقة، ذاكرا، في ذات السياق، الشيخ تواتي المتواجد بمدينة الأغواط "العالم الجليل الذي ينجز حاليا كتابا من 1000 صفحة موضوعه الفرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي".
• وراح المتحدث يثني على علم الشيخ شارف، حيث قال "من يستطيع أن يحدق في الشمس، لكن تواضع وزهد الشيخ يفوق ذلك"، موضحا أنه كلما احتاجت وزارة الشؤون الدينية خدمات الشيخ شارف "فانه يلبي النداء ويقدم خدماته طمعا فيما عند الله"، مشيرا إلى عدم اغترار الشيخ بالمظاهر، قائلا "ترى الفتيان كالنخل فما رأيك بالداخل"، مضيفا "الشيخ كالنهر العميق"، مذكرا بقناعة الشيخ بأن العلم مهما عرف الإنسان نسبي، "ما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، حسبما ورد في محكم التنزيل، وصنف الشيخ ضمن العلماء الممزوجين بالخلق، داعيا الله عزّ وجل أن يطيل في عمر الشيخ لخدمة الإسلام، ولـ "الشروق" إشراق.
• الدكتور قاهر محمد الشريف
• الشيخ شارف رجل علم يقين وفقه يتحرك
• أكد الدكتور قاهر محمد الشريف، عضو المجلس الإسلامي الأعلى، أن الشيخ محمد شارف أمضى عمره في خدمة الجزائر وخدمة العلم، واعتبر أن لكل اسم نصيب من اسمه، حيث قال إنه وجد علم الشيخ شارف "متينا ومكينا"، كما وجد فيه التواضع والعمل الدؤوب، "يحب كل المسائل ويعلم كل راغب في العلم، ومثابرا وملازما للمساجد".
• وأوضح الدكتور قاهر، في ندوة "الشروق التكريمية"، أنه حينما سئل عن الشيخ وسط تلامذته والعوام، قوبل "بثناء وإطراء عطر" لخصال الشيخ شارف، كما وصف المتحدث الشيخ محمد شارف بأنه "رجل علم يقين في عدة مسائل، وفقه يتحرك واطلاع قل نظيره، يستحضر كلمات متن الشيخ خليل صاحب الحجة لنا نحن المغاربة"، واعتبر الدكتور أن خدمات الشيخ كثيرة للإسلام والمسلمين بالجزائر.