جبهات القتال في الحرب العالمية الثانية انتشرت حتى عمت كل جزء تقريبًا من أنحاء العالم. ففي أوروبا وشمال إفريقيا شملت هذه الجبهات بعض المدن والصحاري القاحلة. وأصبحت هناك أشياء قليلة قائمة في توناي ببلجيكا بعد غارة ألمانية جوية (على اليمين). و(على اليسار) جعلت حرب الدبابات في مصر الجنود يهرولون.
الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945م) أزهقت أرواحًا كثيرة، وخربت كثيرًا من الثروات. ربما كان لها من النتائج أكثر مما فعلته أية حرب أخرى في التاريخ؛ لقد عملت على إنهاء دور غربي أوروبا مركزْ القوة العالمي، وأدت إلى ظهور الاتحاد السوفييتي كقوة عالمية كبرى منافسة للولايات المتحدة واليابان وألمانيا التي هزمت أخيرًا في هذه الحرب، وشهدت انتعاشًا اقتصاديًا مثيرًا. لقد جلبت الحرب تقنيات جديدة كان من شأنها أن تغير من عالم ما بعد الحرب. وكان تطوير القنبلة الذرية خلال الحرب إيذانًا ببدء عصر الذَّرَّة.
لن يعرف أبدًا العدد الحقيقي للقتلى من جراء الحرب العالمية الثانية، فربما يقترب عدد القتلى العسكريين من نحو 17 مليونًا. أما القتلى المدنيون فقد كانوا أكثر نتيجة المجاعة والغارات والقنابل والمذابح والأوبئة والأسباب الأخرى المرتبطة بالحرب. وامتدت أرض المعركة إلى كل جزء من العالم تقريبًا، لقد حاربت القوات في أدغال موحلة في جنوب شرقي آسيا وفي صحاري شمالي إفريقيا، وفي جزر المحيط الهادئ ، وأديرت معارك في مناطق متجمدة من الاتحاد السوفييتي، على سطح الماء وتحته في المحيط الأطلسي وفي شوارع كثير من المدن الأوروبية.
ميادين القتال في آسيا والمحيط الهادئ شملت الغابات الاستوائية ومساحات شاسعة من المحيط الهادئ. وكان الجنود يخوضون أنهارًا من الطين ويعبرونها، كما كانوا يزحفون مخترقين أراضي مغطاة بالنباتات الكثيفة في جنوب شرقي آسيا (الصورة على اليمين). أما في جزر المحيط الهادئ فقد كانت الطائرات الجاثمة على ظهر حاملة الطائرت هي التي تقوم بمعظم المهمات القتالية هناك، (الصورة على اليسار).
بدأت الحرب العالمية الثانية أول سبتمبر 1939م عندما غزت ألمانيا بولندا. لقد بنى دكتاتور ألمانيا أدولف هتلر ألمانيا لتصبح آلة حربية قوية، وسحقت هذه الآلة بولندا، والدنمارك ولوكسمبرج وهولندا وبلجيكا والنرويج وفرنسا. وفي يونيو 1940 م وقفت بريطانيا وحلفاؤها من دول الكومنولث منفردين أمام هتلر. وفي الشهر نفسه دخلت إيطاليا الحرب إلى صف ألمانيا، وسرعان ما امتدت الحرب إلى اليونان وشمالي إفريقيا. وفي يونيو 1941م غزت ألمانيا الاتحاد السوفييتي، وهاجمت اليابان القواعد العسكرية للولايات المتحدة في بيرل هاربر في هاواي في 7 ديسمبر 1941 م، الأمر الذي دخلت بسببه الولايات المتحدة الحرب. وبحلول منتصف عام 1942م تغلبت القوات اليابانية على معظم جنوب شرقي آسيا، واكتسحت كثيرًا من الجزر في المحيط الهادئ. وكونت ألمانيا وإيطاليا واليابان تحالفًا عرف بالمحور، وانضمت ست دول أخرى إلى هذا المحور، وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والاتحاد السوفييتي القوى الكبرى التي تحارب المحور، وكانت تسمى دول التحالف، وقد وصل عددها إلى نحو 50 قطرًا بنهاية الحرب.
استطاعت دول التحالف خلال سنة 1942 م أن توقف تقدم قوات المحور في شمالي إفريقيا، وفي الاتحاد السوفييتي والمحيط الهادئ . ونزلت قوات التحالف في إيطاليا سنة 1943م وفي فرنسا سنة 1944 م. وفي سنة 1945م اندفع الحلفاء في ألمانيا من الشرق والغرب، وجرت سلسلة من المعارك الدموية في المحيط الهادئ ، الأمر الذي وضع الحلفاء على أبواب اليابان خلال صيف 1945م واستسلمت ألمانيا في 7 مايو 1945م واليابان في 2 سبتمبر من العام نفسه.
أسباب الحرب
العالم في حـــرب 1939-1945م ألمانيا وشركاؤها إيطاليا واليابان في المحور، حاربت بريطانيا والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والحلفاء الآخرين.وتوضح هذه الخريطة الحلفاء والأرض التي سيطروا عليها، والمحور وهو في قمة السلطة، وبقيت أقطار قليلة على الحياد.
يعزو كثير من المؤرخين أسباب الحرب العالمية الثانية إلى مشاكل تُركت بغير حل بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918م). لقد أوجدت الحرب العالمية الأولى والمعاهدات التي عقدت في نهايتها مشاكل سياسية واقتصادية جديدة، واستغل قادة أقوياء في عدد من الأقطار هذه المشاكل لكي يستولوا على السلطة. إن رغبة الحكام المستبدين في ألمانيا وإيطاليا واليابان في احتلال أقاليم أخرى أدى إلى وضع جديد، من شأنه أن يجعلهم في صراع مع الدول الديمقراطية.
المشاكل الاقتصادية. خربت الحرب العالمية الأولى اقتصاديات الأقطار الأوروبية بدرجة جسيمة وخرج الغانمون والغارمون من الحرب مدينين بدرجة كبيرة. وكانت القوى المهزومة تجد صعوبة في دفع تعويضات للقوى المنتصرة، وكان المنتصرون يجدون صعوبة في تسديد قروضهم من الولايات المتحدة، وكان التحول من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلم من شأنه أن يوجد مشاكل كثيرة، ولم يجد كثير من الجند وظائف لهم بعد الحرب.
كانت إيطاليا واليابان تعانيان بعد الحرب العالمية الأولى من كثرة في السكان وقلة في الموارد، وحاولتا حل مشاكلهما بالتوسع في الأراضي. وفي ألمانيا ضرب التضخم السريع قيمة العملة، واكتسح مدخرات الملايين من الناس، ووصل الاقتصاد الألماني في سنة 1923 م إلى حافة الانهيار، وساعدت قروض من الولايات المتحدة الحكومة الألمانية في أن تعيد التوازن. وفي أوائل العشرينيات بدا وكأن أوروبا تدخل فترة استقرار اقتصادي.
وفي سنة 1929م بدأ هبوط اقتصادي عرف باسم الكساد الكبير في الولايات المتحدة. وفي أوائل الثلاثينيات توقف انتعاش أوروبا الاقتصادي. لقد سبب الكساد العظيم بطالة كبرى، ونشر الفقر واليأس عبر العالم، وأضعف الحكومات الديمقراطية، وقوى الحركات السياسية المتطرفة التي وعدت بإنهاء المشاكل الاقتصادية. وقد قويت حركتان بصفة خاصة فنادت قوى الشيوعية العمال بالثورة وأيدت قوى الفاشية قيام حكومة قومية قوية. واصطدم الشيوعيون بالفاشيين على طول أوروبا، ولكن المتطرفين السياسيين لقوا أعظم تأييد في الأقطار التي كانت فيها مشاكل اقتصادية كبرى وتبرم عميق من مؤتمر باريس.
القومية. كانت القومية صورة متطرفة للوطنية التي اكتسحت أوروبا خلال القرن التاسع عشر. لقد وضع مؤيدو القومية أهداف أمتهم فوق أي ولاء عام آخر، ونظر كثير من القوميين إلى الأجانب وأعضاء الجماعات الأجنبية نظرة دونية، وساعد هذا الاعتقاد الأمم في تبرير غزوها لأرض غيرها، ومعاملتها المزرية للأقليات في داخل حدودها، وكان استعار المشاعر القومية السبب الرئيسي للحرب العالمية الأولى، وقد نمت وصارت أكثر قوة بعد الحرب.
ومضت القومية قُدُمًا مع مشاعر عدم الرضا بين القوميات. فكلما كان الناس محرومين من عزة قومية، رغبوا في أن يروا بلدهم قويًا وقادرًا على التمسك بحقوقه. أحس كثير من الألمان بالإهانة لهزيمة بلدهم في الحرب العالمية الأولى، وسوء المعاملة بموجب معاهدة فرساي. وفي الثلاثينيات أيدوا بحماس تنظيمًا قوميًا متطرفًا سمي الحزب النازي (الحزب القومي)، وأعلن هذا الحزب أن لألمانيا الحق في أن تصبح قوية مرة أخرى، كذلك قويت النزعة القومية في إيطاليا واليابان.
ظهور الدكتاتوريات. ساعد التذمر السياسي والظروف الاقتصادية السيئة التي نمت بعد الحرب العالمية الأولى إلى ظهور الحكومات الاستبدادية في أقطار عديدة خاصة في تلك الأقطار التي افتقدت تقاليد الحكم الديمقراطي. وخلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين وصلت الحكومات الاستبدادية إلى السلطة في الاتحاد السوفييتي وإيطاليا، وصارت لها السلطة كلها، وحكمت دون مراعاة لقانون، واستخدمت ولجأت الدكتاتوريات للإرهاب والبوليس السري للقضاء على المعارضين لحكمها.
العدوان يمضي قدمًا. مضت إيطاليا واليابان في اتباع سياسة توسع إقليمي عدواني خلال ثلاثينيات القرن العشرين؛ فقد غزتا البلاد الضعيفة التي يمكن السيطرة عليها بسهولة. كانت الحكومات الدكتاتورية تعرف ما تريد وحصلت على مبتغاها، وتصدت الحكومات الديمقراطية برفق ولين للعدوان والاستبداد.
فقد كانت اليابان أول دولة تبدأ برنامج الغزو في سنة 1931م، حيث استولت القوات اليابانية على منشوريا، وهو إقليم في الصين غني بموارده الطبيعية. ويعد بعض المؤرخين أن غزو اليابان لمنشوريا هو البدء الحقيقي للحرب العالمية الثانية. لقد جعلت اليابان من منشوريا دولة تابعة سميت منشوكو. وفي سنة 1937م أقدمت اليابان على هجوم كبير ضد الصين، واحتلت معظم أراضي شرقي الصين في نهاية سنة 1938م رغم أن القطرين لم يكونا قد دخلا رسميا الحرب. وبدأ القادة العسكريون اليابانيون يتحدثون عن إخضاع كل شرقي آسيا تحت الحكم الياباني.
نظرت إيطاليا إلى إفريقيا لتشبع رغبتها في تكوين إمبراطورية. وفي سنة 1935م غزت القوات الإيطالية أثيوبيا، وكانت واحدة من الأقطار الإفريقية القليلة المستقلة، واستخدم الإيطاليون المدافع الآلية والدبابات والطائرات للتغلب على الجيش الأثيوبي الضعيف في عدته وعتاده، وغزوا البلاد في مايو 1936م.
بعد وصول هتلر للسلطة بدأ في بناء قوات ألمانيا المسلحة مخالفًا معاهدة فرساي. وفي 1936م أرسل هتلر قوات إلى أراضي الراينلاند، وهي منطقة من ألمانيا على طول شواطئ نهر الراين، وبموجب تلك المعاهدة كان المفروض أن يظل إقليم الراين خاليًا من القوات. وفي مارس 1938م توغلت القوات الألمانية في النمسا وضمتها إلى ألمانيا، ورحب كثير من الناس في ألمانيا والنمسا بهذا التحرك.
كانت أعمال العدوان انتصارات سهلة للدكتاتوريات، وبدت عصبة الأمم عاجزة عن وقفها. كان ينقصها الجيش والسلطة لوضع القانون الدولي موضع التنفيذ، ورفضت الولايات المتحدة أن تنضم إلى العصبة حتى لاتنشغل بالمنازعات الأوروبية، بينما كانت بريطانيا وفرنسا غير راغبتين في المخاطرة بحرب بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الأولى. كانت القوتان تعرفان أنهما ستتحملان عبء أي حرب.
كوّن المعتدون حلفًا؛ ففي سنة 1936م اتفقت ألمانيا وإيطاليا على أن تساند كل منهما الأخرى في سياستها الخارجية، وعرف التحالف بمحور برلين ـ روما، وانضمت اليابان إلى الحلف في سنة 1940م، وأصبح هناك محور برلين ـ روما ـ طوكيو.