بابل مدينة شهيرة في العالم القديم، وعاصمة للمملكة البابلية ولإمبراطوريتين بابليتين
وكانت تقع على ضفتي نهر الفرات بالقرب من مدينة الحِلة الحالية في العراق. وقد ساعدها هذا الموقع لأن تصبح مركزًا تجاريًا مهمًا، كما كانت المدينة مركزًا دينيًا لبلاد بابل. وكلمة بابل في اللغة الأكادية تعني باب الإله.
الإمبراطورية البابلية القديمة. أول تسجيل مدون عن بابل كان نحو 2200ق.م. حين أسس الملك سومو آبوم ـ وهو أول حاكم بابلي ذي شأن ـ أسرة حاكمة في سنة 1894ق.م. وكان أبرز ملوك تلك الأسرة الملك حمورابي الذي حكم من عام 1792 إلى1750ق.م، واشتهر بتطويره مجموعة تشريعات تميزت بالحكمة والعدالة. وكانت بابل عندما اعتلى حمورابي العرش، واحدة من عدة ممالك صغيرة في بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين). لقد اشتملت هذه المنطقة ـ الواقعة ما بين نهري دجلة والفرات ـ على المناطق التي تشكل اليوم شرقي سوريا وجنوبي تركيا ومعظم العراق. وقد أخضع حمورابي لحُكمه معظم الممالك الأخرى وأسس الإمبراطورية البابلية القديمة.
شُيد في بابل خلال عهد حمورابي عدد من القصور والمعابد الضخمة. وحددت البيوُت الخاصة شوارع المدينة الضيفة والمتعرجة. وكان للبيت النموذجي فناء مركزي تحيط به الغرف. وكان يحيط بالمدينة سور ضخم للدفاع عنها ضد الغزاة، وكان له عدة بوابات، يعقد عندها التجارُ أسواقهم. وقد تاجر هؤلاء بالرقيق والمواد الغذائية والمنسوجات ومواد البناء والمواشي. وكان التجار البابليون يرحلون غربًا إلى سوريا وبلاد أخرى، وشمالاً إلى بلاد آشور، وجنوبًا إلى الممالك الواقعة على طول الخليج العربي. وغالبًا ما كانوا يتاجرون بالمنسوجات والحبوب مقابل الذهب والفضة والأحجار الكريمة.
مورابي حكم بابل من سنة 1792 إلى سنة 1750 ق.م، ونال شهرة لتطويره تشريعات تميزت بالحكمة والعدالة.
كان المجتمع البابلي في عهد حمورابي يتألف من ثلاث طبقات هي: الطبقة الأرستقراطية، وطبقة العامة، وطبقة الرقيق. وقد عمل العامة بشكل رئيسي مزارعين وتجارًا أو حرفيين. وعلى الرغم من أن ما نعرفه عن طبقة العامة قليل، إلا أنه من الواضح أنهم كانوا يفتقرون لكل الحقوق التي كانت تتمتع بها الطبقة الأرستقراطية. وشكَّل الرقيق أدنى طبقات المجتمع البابلي، إلا أنه كان بإمكانهم التملك وإدارة الأعمال الخاصة بهم، واقتراض الأموال، وحتى شراء حريتهم. كما كان بإمكان النساء الحرائر التملك، وكان لهن أيضًا حقوق شرعية أخرى. وكان الآباء عادة يختارون الأزواج لبناتهم.
فقدت الإمبراطورية البابلية القديمة معظم أراضيها بعد موت حمورابي مباشرة. وظلت بابل قوة سياسية وثقافية مهمة، ولكن حكامها لم يحاولوا توسيع سلطانها. سيطرت الإمبراطورية الآشورية على بابل خلال القرن الثامن قبل الميلاد. ولكن المدينة قاومت الحكم الآشوري، فدمرها الملك الآشوري سنحاريب سنة 689ق.م وقام أسرحدون بن سنحاريب بإعادة بنائها بعد إحدى عشرة سنة من تدميرها.
الإمبراطورية البابلية الحديثة. بدأت الإمبراطورية البابلية الحديثة سنة 626ق.م، عندما أخذ القائد العسكري البابلي نبوبولصَّر المُلك من الآشوريين. أدت هجمات البابليين وحلفائهم الميديِّين، في عامي 614 و612ق.م، إلى سقوط الإمبراطورية الآشورية. سيطرت الإمبراطورية البابلية الحديثة، في ظل حكم نبوبولصّر، الذي حكم حتى سنة 605ق.م، على معظم ما يعرف اليوم باسم الشرق الأوسط.
بلغت بابل ذروة مجدها في ظل الإمبراطورية البابلية الحديثة. وأعاد نبوبولصّر وابنه نَبوخَذ نصَّر الثاني بناء المدينة على نطاق أكبر. وشيَّد العمالُ خلال عهد نبوخذ نصر الثاني، الذي امتد مابين عامي 605 ق.م و562 ق.م أسوارًا حول المدينة، بلغ سُمكها 26مترًا تقريبًا. وقد حمت الأسوارُ الداخلية الضخمة، التي يحيط بها خندق واسع، القسم الرئيسي من المدينة. وكان سكان بابل يدخلون المدينة ويخرجون منها عبر ثماني بوابات برونزية.
بوابة عشتار بنيت خلال عهد نبوخذ نصَّر الثاني، ما بين 605- 562ق.م، وكانت هذه البوابة أضخم البوابات البرونزية الثماني في المدينة. وقد تمت زخرفة البوابة وجدرانها بأشكال مصقولة كالأسد الذي يظهر في الصورة أعلاه.
كان أفخم هذه البوابات بوابة عشتار الضخمة، التي تقع على شارع مرصوف يُدعى شارع المواكب، يربط معبد مردوك، الموجود داخل الأسوار بساحة المهرجان الديني الكبير، الواقعة خارج المدينة، حيث كان يحمل البابليون تماثيل آلهتهم على طول الطريق إبان المهرجان الذي كان يقام عند بداية كل سنة جديدة. وقد زُخرفت بوابة عشتار وجدرانها بأشكال التنينات والأسود والثيران المصنوعة من الآجر المزجج الملون.
كان القصر الرئيسي لنبوخذ نصَّر والحصن، يقعان بين بوابة عشتار ونهر الفرات. ومن المحتمل أن هذه البقعة هي التي احتوت حدائق بابل المعلقة الشهيرة. وقد وصف الإغريق القدامى هذه الحدائق المزروعة على سطح بناء شاهق، كإحدى عجائب الدنيا السبع. وتمتد منطقة المعبد صوب الجنوب حيث يقع معبد مردوك. وتضم المنطقة أيضًا الزكورة وهي برج عالٍ عرف في العصور اللاحقة باسم برج بابل
سقوط بابل. لم يتمتع خلفاء نبوخذ نصَّر بشعبية كبيرة فغدت الإمبراطورية ضعيفة في ظل حكمهم. وفي سنة 539 ق.م استولى المغيرون الفرس على بابل وأسقطوا الإمبراطورية البابلية الحديثة. وأصبحت بابل أغنى منطقة في الإمبراطورية الفارسية. وفي سنة 331 ق.م ظفر القائد العسكري المقدوني، الإسكندر الأكبر، ببابل، وجعلها عاصمة ملكه ومات فيها سنة 323 ق.م. وأصبح أحد قادته، فيما بعد، واسمه سلوقس، ملكًا على بلاد بابل والأراضي المحيطة بها، وأسس مدينة سلوقية، على نهر دجلة، كعاصمة جديدة. فانتقل إليها سكان بابل في وقت لاحق. وتحولت بابل المهجورة، بمرور الزمن إلى خرائب.
آثار بابل. تمكن علماء الآثار الألمان، ما بين عامي 1899 و1917م من الكشف عن بقايا القسم الأعظم من منطقتي القصر والمعبد، والمنطقة التي كانت مأهولة بالسكان وأسوار المدينة. ويعود تاريخ معظم البقايا الأثرية إلى الإمبراطورية البابلية الحديثة. ولم يتمكن علماء الآثار من التنقيب عن أية آثار من الإمبراطورية البابلية القديمة، وذلك لأن مستوى المياه في الأرض ارتفع ارتفاعًا هائلاً منذ العصور القديمة حتى الآن. وهذا الارتفاع يتسبب في غمر الحفر العميقة التي يحفرونها.